Translate

الخميس، 22 مايو 2014

(1)
فى الثالثة صباحاً استقيظت من دائرة التشتت التى لازمتنى وفى رأسى المجهول .. ودعت امى بدموعها وابى بالامان ..
حملت فوق كتفى شيئاً اعادنى للوارء عشر سنوات ربما اكثر لكن هذه المرة يختلف الخوف !
فى طريقى كنت اعرف هؤلاء الذين يرحلون للمجهول مثلى حياة جديدة تنتظرنا لا نعرف ما بداخلها ..
لا احمل شىء يدل على هويتى هاتفى مُغلق تركته فى غرفتى قبل رحيلى ..
فى مكان ما محدد كان الانتظار .
كنت ارى حولى وجوه كثيرة مشوهة بالفقر والحرمان هؤلاء بعضهم ترك اماً بائسة تنتظر منه بعض الجنيهات تساعدها كى تحيا ..
يُسحبون من ايديهم الى عالم اكثر بؤساً وقسوة مما كانوا فيه عليهم ان يدفعوا ضريبة العيش فى هذا الوطن القبيح ..
عليهم ان تضيع سنواتهم سُدى خدمة لهذا الوطن ...
منذ النظرة الاولى فى وجوه هؤلاء عاهدت نفسى الا يكون لى صديق منهم .. مرت ساعات طويلة وانا انظر لوجوه هؤلاء ربما لم يكن وجهى سعيداً هو الاخر بل كان حزينا وبائسا اكثر منهم ..
جالسون تحت الشمس دون ان ندرى ماذا سنفعل !
وبعد عناء جاء احدهم ينادى علينا فى مجموعات وكأنه سوق يُباع فيه ويشترى البشر  .. اصبحنا فى مجموعات كبيرة ..
ثم كان الرحيل .
لا شىء سوى الابتسام علها تضع فى قلب احدهم الطمأنينة ولا شىء سوى ان تعزى نفسك على ماسيحدث لك ..
وصلت الى مكان عرفته قبل سبع سنوات او اكثر .. عرفته من الخارج وتمنيت ان ارى ما بداخله مررت من بوابته الاولى فى شغف علنى اشبع فضول سبع سنوات !
مالبثت حتى بدى كأنه او هو كذلك عالم موحش تمتزج فيه الشمس بالرمال وارى وجوها قبيحة لا تملك شىء سوى الرهبة !
لم التفت الى مايقولون كنت على يقين انهم ليسوا الا مرضى .. وابتسم لهم من فرط الاشفاق .
مررنا بحفل سخيف نحمل فوق ظهورنا اشياء ثقيلة اخبرونا اننا فى حاجة لها وعلينا الحفاظ عليها .. وصلنا منهكين كأنه يوم قيامتنا الاولى ،، حل الليل ظن بعضنا انه علينا ان نستريح لكن لم يكن هناك وقت للراحة علينا ان نرتدى الزى الجديد ثم نجتمع .
اخذت سريراً وضعت اشيائى ثم خرجت .. كان الضجر صديق الجميع وكان البكاء اقرب من التنفس لبعضنا ..
مر اليوم الاول دون ان ندرى ماذا هناك فى الصباح ومر الغد والغد والغد ورغما عنى كان لى اصدقاء من هؤلاء الذين يضعون الحب فى صدرك منذ النظرة الاولى ... كان هنالك الرائعون وكان هناك من يشبهون سلات القمامة وجميعهم تعرفهم من نظرة واحدة !
اقتربت منهم يهون العمر معهم وتمر الساعات المملة سريعاً معهم ويستمر صوت الضحك عالياً ...
عشرون يوماً ..
عشرون يوماً قضيتها مع هؤلاء فى مكان واحد طيلة يومى كان لهم ما لم يكن لاخوتى ان نمكث بمكان واحد مدة كهذه وان كانت قصيرة ..
مروا ولم اسجل حرفاً واحداً من فرط السعادة رغم الشقاء !
نجحت فى ان اعود مرة اخرى للحياة نجحت ان يكون لى اصدقاء مرة اخرى يحبوننى .. منذ مده طويلة وانا اخشى ان يكون لى صديق خشية الرحيل كالسابقين ..
كنا نضحك ونسخر من فرط ظلمهم وغبائهم نأكل سوياً ونمرح ونُسجن ونعصى بعض اوامرهم العبثية لا يترك احدنا الاخر حتى وان كان الموت هو المقصد !
ثم جاء الموت !!
جاء الرحيل الذى كنت دائما اخشاه ولا اطيقة ،، جاء هذا الضيف الثقيل الذى جعلنى ابتعد عن الكثيرين ..
على احد اصدقاء الرحيل رغما عنه !!
طيلة عام لم اراه طيلة عام على الاقل ، عاد الجو غريبا مرة اخرى تسللت الكآبة الى قلبى رغم انهم تركوا لى جزء آخر لكن لكل منهم فى القلب ماله من الحب لا ينبغى لآخر ان يناله .. احتضن صديقى فيبكى .. تعلوا اصوات البقية بالغناء له ولآخرين راحلون معه ..
يغنون كى يزول الالم وفى صوت واحد يغنون "خايفة لما تسافر ع البلد الغريب تنسى انك فايت فى بلدك حبيب " من افواه هؤلاء كانت تبدوا جميلة .. من بين هؤلاء الصادقون تبدوا رائعة ...
لم اكن اعرف انه هناك من الحب ما يكفى بين هؤلاء ... ارى من يحمل صديقه المريض من يخفف عنه يعطيه دوائه !
عشرون يوماً فقط كانت كافية لنشر كل هذا الحب بين هؤلاء .
رحل الاصدقاء وبقى بعضهم مرت ايام قليلة اخرى ثم جاء الموت مرة اخرى ربما جاء لى فقط جاء لمريض مثلى بالتعلق بالاشخاص والاماكن ربما جاء من فرط التفكير فى مصير هؤلاء !
جاء دورى للرحيل وجاء دور الجميع من بعدى .. مئات يقفون يحتضنون بعضهم يبكى من يبقى ويبتسم من يشاء ..
يواسون بعضهم .. 
رحلت ومعى صديقين آخر من تبقى لى .


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق