Translate

الأربعاء، 21 نوفمبر 2018

حين حاصرني الغضب من فرط غباء أحدهم آثرت البقاء وحدي في غُرفة مُنعزلة أنا لا أحتمل غضبي ولا أحب لأحدهم أن يقف أمامه ... وقت قصير ثم أذن مؤذن ..
الله أكبر .. ثم بدي قلبي أن يلين ثم الله أكبر .. 
اعرف هذا الصوت جيداً نافذة ذكريات جديدة تُفتح هكذا ، قريتنا الهادئة وبيوتها الطينية الطيبة ، شوراع نظيفة وهواء ساخن في الصيف يقذف اوراق الذرة من فوق الاسطح حارتنا وجارنا الهاديء الذي كنا نخشاه رغم طيبته ، شجارنا وطائرتنا الورقية ، تحالف الأصدقاء ضد اعدائهم ، اضواء البيوت البسيطة وتجمع الجدات أمام البيوت ، العاب طفولتنا الكثيرة تكفي يوم بليل كامل دون ملل .. حكايات المسافرين خارج القرية لأقاربهم والفتيات الجميلات خارج قريتنا ، همس الاصدقاء لبعضهم وللتعبير عن الحب ، وزاوية المسجد هذا الذي جلب الذكريات .. سيدنا كما كان يُطلق عليه ومكافئة المتميزين في حفظ واجبهم من القرءان ..
كنا ننتقل من الزاوية المجاورة الي داخل المسجد وكان لا ينال هذا سوي من اتقن الحفظ ثم نهرب من الباب الخلفي بمكر طفولي وخشية ان يُفضح أمرنا ونُضرب غداً من سيدنا والعجيب أنه لم يكتشف هذا مرة والاعجب انه ربما كان يعلم او كان هذا بمثابة اطلاق سراحنا بذكاء منه دون شعور الاخرين ، لثناء هؤلاء علي فلان الصالح وجد هذا وأب ذاك للجيل الكامل الذي رحل وهو يُثني خيراً علي بعضهم للبُسطاء ولأخي حين كان يجلس بين يدي سيدنا ، اقرأ علي فيبدأ "تبارك الذي بيده الملك" ثم في الغد يطلب منه ان يقرأ عليه فيبدأ "تبارك الذي بيده الملك" فيصيح يا بُني ألا يوجد في المصحف كاملاً سوي تبارك ؟
أقرأ علي غيرها ويصيح بشكل مُضحك .. صوت مميز في الاذان كان يُردد وانا صغير حتي أنني كنت حين اسمعه أشعر ان هذا الصوت يلامس السماء ويُسمع من هو في أقصي الأرض ثم ماذا ؟
قد رأيت اكثر من ألف مسجد بعد مسجدنا هذا والف صوت يؤذن وقد ضاقت الأرض حتي صارت شبراً واحداً بعد أن كانت حارتنا كبيرة علي روحي وجسدي بما يكفي لأن أضل فيها !
هذا الصوت لا انساه هو وصوت مؤذن آخر في مسجد جدي وكان يُثني خيراً بعد الاذان علي سيدنا ومولانا وحبيبنا محمد الكريم .. قد مات مؤذن جدي ولحق به جدي ومازال سيدنا يُثني خيراً علي من رحل ومات منهم .. لكنني مازلت اسمع داخل روحي دُبر كل اذان بصوت جميل "الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله ، صل الله عليك وعلي آلك وصحبك اجمعين " .
غفر الله لمن رجل ورضي عمن بقي وغفر لنا ولهم جميعاً .
رحم الله تلك النفوس الطيبة رحم الله البُسطاء واسكننا وإياهم جنته دون حساب ولا سابق عذاب .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق